سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَلِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} وفي الموالي قولان:
أحدهما: أنهم العصبة، وهو قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وابن زيد.
والثاني: هم الورثة، وهو قول السدي، وهو أشبه بقوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي} قال الفضل بن عباس:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا *** لا تنشبواْ بيننا ما كان مَدْفوناً
{وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} هي مفاعلة من عقد الحلف، ومعناه: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم بالحلف بينكم وبينهم، فآتوهم نصيبهم.
وفي المراد بهذه المعاقدة وبالنصيب المستحق خمسة أقاويل:
أحدها: أن حلفهم في الجاهلية كانوا يتوارثون به في الإسلام ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، وقتادة.
والثاني: أنها نزلت في الذين آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضاً بتلك المؤاخاة بهذه الآية، ثم نسخها ما تقدم من قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانَ والأَقْرَبُونَ} [النساء: 33]، وهذا قول سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وابن زيد.
والثالث: أنها نزلت في أهل العقد بالحلف ولكنهم أُمِرُوا أن يؤتوا بعضهم بعضاً من النصرة والنصيحة والمشورة والوصية دون الميت، وهذا قول مجاهد، وعطاء، والسدي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله قيس بن عاصم عن الحِلف فقال: «لاَ حِلْفَ في الإْسلاَمِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلفِ الجاهِلِيَّةِ فَلَمْ يُزِدْهُ الإِسْلاَمُ الإَِّ شِدَّةً».
والرابع: أنها نزلت في الذين يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية، فَأُمِرُوا في الإِسلام أن يوصوا لهم عند الموت بوصية، وهذا قول سعيد بن المسيب.
والخامس: أنها نزلت في قوم جعل لهم نصيب من الوصية، ثم هلكوا فذهب نصيبهم بهلاكهم، فَأُمِرُوا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم، وهذا قول الحسن البصري.


قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النَّسَآءِ} يعني أهل قيام على نساءهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن، فيما أوجب الله لهم عليهن.
{بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يعني في العقل والرأي.
{وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أِمْوَالِهِمْ} يعني به الصداق والقيام بالكفاية. وقد روى جرير بن حازم عن الحسن أن سبب ذلك أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص فنزلت: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَي إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] ونزلت {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، وكان الزهري يقول: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس.
{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} يعني المستقيمات الدين العاملات بالخير، والقانتات يعني المطيعات لله ولأزواجهن.
{حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} يعني حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن، ولما أوجبه الله من حقه عليهن.
{بِمَا حَفِظَ اللهُ} فيه قولان:
أحدهما: يعني يحفظ الله لهن إذ صيّرهن كذلك، وهو قول عطاء.
والثاني: بما أوجبه الله على أزواجهن من مهورهن ونفقتهن حتى صرن بها محفوظات، وهذا قول الزجاج.
وقد روى ابن المبارك، سعيد بن أبي سعيد أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّساءِ امْرَأَةً إِذا نَظَرْتَ إِلَيهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مالِهَا ونَفْسِهَا» قال ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ} إلى آخر الآية.
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} في {تَخَافُونَ} تأويلان:
أحدهما: أنه العلم، فعبر عنه بالخوف، كما قال الشاعر:
ولا تدفنيني بالفلاة فإنني *** أخافُ إذا ما مِتُّ أن لا اذُوقَها
يعني فإنني أعْلَمُ والتأويل الثاني: أنه الظن، كما قال الشاعر.
أتاني عن نصر كلام يقوله *** وما خفت يا سلامُ أنك عائبي
وهو أن يستر على نشوزها بما تبديه من سوء فعلها.
والنشوز: هو معصية الزوج والامتناع من طاعته بغضاً وكراهة- وأصل النشوز: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نُشز، فسميت الممتنعة عن زوجها ناشزاً لبعدها منه وارتفاعها عنه.
{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} أما وعظها فهو أن يأمرها بتقوى الله وطاعته، ويخوفها استحقاق الوعيد في معصيته وما أباحه الله تعالى من ضربها عند مخالفته، وفي المراد بقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} خمسة أقاويل:
أحدها: ألا يجامعها، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني: أن لا يكلمها ويوليها ظهره في المضجع، وهو قول الضحاك، والسدي. والثالث: أن يهجر فراشها ومضاجعتها وهو قول الضحاك، والسدي.
والرابع: يعني وقولوا لهن في المضاجع هُجراً، وهو الإغلاظ في القول، وهذا قول عكرمة، والحسن.
والخامس: هو أن يربطها بالهجار وهو حبل يربط به البعير ليقرها على الجماع، وهو قول أبي جعفر الطبري.
واستدل براوية ابن المبارك عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «حَرثَكَ فَأْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ غَيرَ أَلاَّ تَضْرِبَ آلْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ إلاَّ في البًيْتِ، وأطْعِمْ إِذا طَعِمْتَ وَاكْسِ إِذّا اكْتَسَيْتَ، كَيْفَ وَقْدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ» وليس في هذا الخبر دليل على تأويله دون غيره.
وأصل الهجر: الترك على قلى، والهُجر: القبيح من القول لأنه مهجور.
{وَآضْرِبُوهُنَّ} فجعل الله تعالى معاقبتها على النشوز ثلاثة أشياء: وَعْظُها وهَجْرُها وضَرْبُها. وفي ترتبيها إذا نشزت قولان:
أحدهما: أنه إذا خاف نشوزها وعظها وهجرها، فإن أقامت عليه ضربها.
والثاني: أنه إذا خاف نشوزها وعظها، فإذا أبدت المشوز هجرها، فإن أقامت عليه ضربها، وهو الأظهر من قول الشافعي.
والذي أبيح له من الضرب ما كان تأديباً يزجرها به عن النشوز غير مبرح ولا منهك، روى بشر عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اضْرِبُوهُنَّ إِذَا عَصَينَكُمْ فِي المَعْرُوفِ ضَرْباً غير مُبَرِّحٍ».
{فَإِن أَطَعْنَكُم فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} يعني أطعنكم في المضجع والمباشرة. {فلا تبغوا عليهن سبيلاً} فيه تأويلان:
أحدهما: لا تطلبواْ لهن الأذى.
والثاني: هو أن يقول لها لست تحبينني وأنت تعصيني، فيصيّرها على ذلك وإن كانت مطيعة: قال سفيان: إذا فعلت ذلك لا يكلفها أن تحبه لأن قلبها ليس في يدها.


{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَينِهِمَا} يعني مشاقة كل واحد منهما من صاحبه، وهو إتيان ما يشق عليه من أمور أما من المرأة فنشوزها عنه وترك ما لزمها من حقه، وأما من الزوج فعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والشقاق مصدر من قول القائل شاق فلان فلاناً إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه بما يشق عليه، وقيل لأنه قد صار في شق بالعداوة والمباعدة.
{فَابْعَثْواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} وفي المأمور بإيفاد الحكمين ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه السلطان إذا تراجع إليه الزوجان، وهو قول سعيد بن جبير، والضحاك.
والثاني: الزوجان، وهو قول السدي.
والثالث: أحد الزوجين وإن لم يجتمعا.
{إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً} يعني الحَكَمَين.
{يُوَفِقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: يوفق الله بين الحكمين في الصلاح بين الزوجين.
والثاني: يوفق الله بينهما بين الزوجين بإصلاح الحَكَمَين، والحكمين للإصلاح.
وفي الفُرْقَةِ إذا رأياها صلاحاً من غير إذن الزوجين قولان:
أحدهما: ليس ذلك إليها لأن الطلاق إلى الزوج.
والثاني: لهما ذلك لأن الحَكَم مشتق من الحُكم فصار كالحاكم بما يراه صلاحاً.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9